فصل: تفسير الآيات (21- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.سورة مريم:

مكية، وهي ثمان وتسعون آية.

.تفسير الآيات (1- 2):

{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)}
قوله عز وجل: {كهيعص} قرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء، وضده ابن عامر، وحمزة، وبكسرهما: الكسائي وأبو بكر، والباقون بفتحهما.
ويظهر الدال عند الذال من صاد ذكر ابن كثير، ونافع، وعاصم ويعقوب والباقون بالإدغام.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو اسم من أسماء الله تعالى.
وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن.
وقيل: اسم للسورة. وقيل: هو قسم أقسم الله به.
ويروى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {كهيعص} قال: الكاف من كريم وكبير، والهاء من هاد، والياء من رحيم، والعين من عليم، وعظيم، والصاد من صادق.
وقال الكلبي: معناه: كاف لخلقه، هاد لعباده، يده فوق أيديهم، عالم ببريته، صادق في وعده {ذِكْرُ} رفع بالمضمر، أي: هذا الذي نتلوه عليك ذكر {رَحْمَةِ رَبِّكَ} وفيه تقديم وتأخير معناه: ذكر ربك {عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} برحمته.

.تفسير الآيات (3- 6):

{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}
{إِذْ نَادَى} دعا {رَبَّهُ} في محرابه {نِدَاءً خَفِيًّا} دعا سرا من قومه في جوف الليل. {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ} ضعف ورق {الْعَظْمُ مِنِّي} من الكبر. قال قتادة: اشتكى سقوط الأضراس {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ} أي: ابيض شعر الرأس {شَيْبًا} شمطا {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} يقول: عودتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبني.
وقيل: معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان. {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} و{الموالي}: بنو العم. قال مجاهد: العصبة. وقال أبو صالح: الكلالة. وقال الكلبي: الورثة {مِنْ وَرَائِي} أي: من بعد موتي.
قرأ ابن كثير: {مِنْ وَرَائِي} بفتح الياء، والآخرون بإسكانها.
{وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} لا تلد {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} أعطني من عندك {وَلِيًّا} ابنا. {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} قرأ أبو عمرو والكسائي: بجزم الثاء فيهما، على جواب الدعاء، وقرأ الآخرون بالرفع على الحال والصفة، أي: وليا وارثا.
واختلفوا في هذا الإرث؛ قال الحسن: معناه يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة.
وقيل: أراد ميراث النبوة والعلم.
وقيل: أراد إرث الحبورة، لأن زكريا كان رأس الأحبار.
قال الزجاج: والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرثه بنو عمه ماله.
والمعنى: أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان شاهده من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء، فسأل ربه وليا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين. وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
{وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} أي برا تقيا مرضيا.

.تفسير الآية رقم (7):

{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)}
قوله عز وجل: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} وفيه اختصار، معناه: فاستجاب الله دعاءه فقال: يا زكريا إنا نبشرك، {بِغُلامٍ} بولد ذكر {اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} قال قتادة والكلبي: لم يسم أحد قبله يحيى.
وقال سعيد بن جبير وعطاء: لم نجعل له شبها ومثلا كما قال الله تعالى: {هل تعلم له سميا} أي مثلا.
والمعنى: أنه لم يكن له مثل، لأنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط.
وقيل: لم يكن له مثل في أمر النساء، لأنه كان سيدا وحصورا.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي لم تلد العواقر مثله ولدا.
وقيل: لم يرد الله به اجتماع الفضائل كلها ليحيى، إنما أراد بعضها، لأن الخليل والكليم كانا قبله، وهما أفضل منه.

.تفسير الآيات (8- 10):

{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)}
{قَالَ رَبِّ أَنَّى} من أين {يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} أي: وامرأتي عاقر. {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} أي: يبسا، قال قتادة: يريد نحول العظم، يقال: عتا الشيخ يعتو عتيا وعسيا: إذا انتهى سنه وكبر، وشيخ عات وعاس: إذا صار إلى حالة اليبس والجفاف.
وقرأ حمزة والكسائي: عتيا وبكيا وصليا وجثيا بكسر أوائلهن، والباقون برفعها، وهما لغتان. {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} يسير {وَقَدْ خَلَقْتُكَ} قرأ حمزة والكسائي {خلقناك} بالنون والألف على التعظيم، {مِنْ قَبْلُ} أي من قبل يحيى {وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} دلالة على حمل امرأتي {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} أي: صحيحا سليما من غير ما بأس ولا خرس.
قال مجاهد: أي لا يمنعك من الكلام مرض.
وقيل: ثلاث ليال سويا أي متتابعات، والأول أصح.
وفي القصة: أنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر الله تعالى انطلق لسانه.

.تفسير الآيات (11- 13):

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)}
قوله عز وجل: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون، إذ خرج عليهم زكريا متغيرا لونه فأنكروه، وقالوا: ما لك يا زكريا؟ {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} فأومأ إليهم، قال مجاهد: كتب لهم في الأرض، {أَنْ سَبِّحُوا} أي: صلوا لله {بُكْرَةً} غدوة {وَعَشِيًّا} ومعناه: أنه كان يخرج على قومه بكرة وعشيا فيأمرهم بالصلاة، فلما كان وقت حمل امرأته ومنع الكلام حتى خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة. قوله عز وجل: {يَا يَحْيَى} قيل: فيه حذف معناه: ووهبنا له يحيى وقلنا له: يا يحيى، {خُذِ الْكِتَابَ} يعني التوراة {بِقُوَّةٍ} بجد {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: النبوة {صَبِيًّا} وهو ابن ثلاث سنين.
وقيل: أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير.
وعن بعض السلف: من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبيا. {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} رحمة من عندنا، قال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه:
تحنن علي هداك المليك ** فإن لكل مقام مقالا أي: ترحم.

{وَزَكَاةً} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص.
وقال قتادة رضي الله عنه: هي العمل الصالح، وهو قول الضحاك.
ومعنى الآية: وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد، ليدعوهم إلى طاعة ربهم ويعمل عملا صالحا في إخلاص.
وقال الكلبي: يعني صدقة تصدق الله بها على أبويه.
{وَكَانَ تَقِيًّا} مسلما ومخلصا مطيعا، وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا هم بها.

.تفسير الآيات (14- 16):

{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)}
{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} أي بارا لطيفا بهما محسنا إليهما. {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} والجبار: المتكبر، وقيل: الجبار: الذي يضرب ويقتل على الغضب، والعصي: العاصي. {وَسَلامٌ عَلَيْهِ} أي: سلامة له، {يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} قال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون الإنسان في هذه الأحوال: يوم ولد فيخرج مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم ير مثله. فخص يحيى بالسلامة في هذه المواطن. قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ} في القرآن {مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} تنحت واعتزلت {مِنْ أَهْلِهَا} من قومها {مَكَانًا شَرْقِيًّا} أي: مكانا في الدار مما يلي المشرق، وكان يوما شاتيا شديد البرد، فجلست في مشرقة تفلي رأسها.
وقيل: كانت طهرت من المحيض، فذهبت لتغتسل.
قال الحسن: ومن ثم اتخذت النصارى المشرق قبلة.

.تفسير الآيات (17- 20):

{فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)}
{فَاتَّخَذَتْ} فضربت {مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: سترا.
وقيل: جلست وراء جدار. وقال مقاتل: وراء جبل.
وقال عكرمة: إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينما هي تغتسل من المحيض قد تجردت، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوي الخلق، فذلك قوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} يعني: جبريل عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وقيل: المراد من الروح عيسى عليه السلام، جاء في صورة بشر فحملت به والأول أصح فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد فـ: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} مؤمنا مطيعا.
فإن قيل إنما يستعاذ من الفاجر، فكيف قالت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا؟
قيل: هذا كقول القائل: إن كنت مؤمنا فلا تظلمني. أي: ينبغي أن يكون إيمانك مانعا من الظلم وكذلك هاهنا.
معناه: وينبغي أن تكون تقواك مانعا لك من الفجور. {قَالَ} لها جبريل: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ} قرأ نافع وأهل البصرة: {ليهب لك} بالياء، أي: ليهب لك ربك، وقرأ الآخرون: {لأهب لك} أسند الفعل إلى الرسول، وإن كانت الهبة من الله تعالى، لأنه أرسل به.
{غُلامًا زَكِيًّا} ولدا صالحا طاهرا من الذنوب. {قَالَتْ} مريم {أَنَّى} من أين {يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} لم يقربني زوج {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} فاجرة؟ تريد أن الولد يكون من نكاح أو سفاح، ولم يكن هنا واحد منهما.

.تفسير الآيات (21- 22):

{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)}
{قَالَ} جبريل: {كَذَلِكِ} قيل: معناه كما قلت يا مريم ولكن، {قَالَ رَبُّكَ} وقيل هكذا قال ربك، {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي: خلق ولد بلا أب، {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً} علامة، {لِلنَّاسِ} ودلالة على قدرتنا، {وَرَحْمَةً مِنَّا} ونعمة لمن تبعه على دينه، {وَكَانَ} ذلك، {أَمْرًا مَقْضِيًّا} محكوما مفروغا عنه لا يرد ولا يبدل. قوله عز وجل: {فَحَمَلَتْهُ} قيل: إن جبريل رفع درعها فنفخ في جيبه فحملت حين لبست.
وقيل: مد جيب درعها بأصبعه ثم نفخ في الجيب.
وقيل: نفخ في كم قميصها. وقيل: في فيها.
وقيل: نفخ جبريل عليه السلام نفخا من بعيد فوصل الريح إليها فحملت بعيسى في الحال {فَانْتَبَذَتْ بِهِ} أي تنحت بالحمل وانفردت، {مَكَانًا قَصِيًّا} بعيدا من أهلها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أقصى الوادي، وهو وادي بيت لحم، فرارا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج.
واختلفوا في مدة حملها ووقت وضعها؛ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الحمل والولادة في ساعة واحدة.
وقيل: كان مدة حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء.
وقيل: كان مدة حملها ثمانية أشهر، وكان ذلك آية أخرى لأنه لا يعيش ولد يولد لثمانية أشهر، وولد عيسى لهذه المدة وعاش.
وقيل: ولدت لستة أشهر.
وقال مقاتل بن سليمان: حملته مريم في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وهي بنت عشر سنين وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى.

.تفسير الآية رقم (23):

{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
{فَأَجَاءَهَا} أي ألجأها وجاء بها، {الْمَخَاضُ} وهو وجع الولادة، {إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} وكانت نخلة يابسة في الصحراء، في شدة الشتاء، لم يكن لها سعف.
وقيل: التجأت إليها لتستند إليها وتتمسك بها على وجع الولادة، {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} تمنت الموت استحياء من الناس وخوف الفضيحة، {وَكُنْتُ نَسْيًا} قرأ حمزة وحفص {نَسْيًا} بفتح النون، والباقون بكسرها وهما لغتان، مثل: الوَتر والوِتر، والجسر والجَسر، وهو الشيء المنسي والنسي في اللغة: كل ما ألقي ونسي ولم يذكر لحقارته.
{مَنْسِيًّا} أي: متروكا قال قتادة: شيء لا يعرف ولا يذكر. قال عكرمة والضحاك ومجاهد: جيفة ملقاة. وقيل: تعني لم أخلق.